Modawenon

مقومات الفعل السياسي ومعيار تزكية الأحزاب للمرشحين (برشيد نموذجا)

رفع الصور
رفع الصور
مقومات الفعل السياسي ومعيار تزكية الأحزاب للمرشحين (برشيد نموذجا)
بقلم : رشيد ظريف
ما هي مقومات الفعل السياسي؟ أو بصيغة أخرى: ما هو الفعل الأجدر بأن يسمى "سياسة"؟ سؤال غاية في الأهمية من حيت أن محاولات الإجابة عنه بطرق علمية مختصة، توفر للمواطن الإمكانات المعرفية اللازمة للمقارنة بين الفعل السياسي كما تمت صياغة مقوماته نظريا في مبحثي علم الأخلاق والفلسفة السياسية، وبين ما أصبح يسمى بهذا الاسم في مجتمعنا المعاصر. ويتم تغييب البحث في موضوع مقومات الفعل السياسي عمدا ليبقى هذا النشاط الإنساني المهم مرتبط أكثر بالفساد الأخلاقي والمتاجرة بمصالح الوطن، ومحتكر من طرف الانتهازيين وعديمي المبادئ الأخلاقية.
مند أن عرف الإنسان العيش في تجمعات قام بتنصيب شخص أو أشخاص يحتكم إليهم الأفراد في فض نزاعاتهم، كما أوكلهم بالسهر على مصالح الجماعة. وقد كان إغراء السلطة دافعا لجعل الحكام يقومون باستغلال سلطتهم للاستئثار بالمنافع الشخصية. هذا السلوك الارتكاسي أدى إلى ظهور أشخاص رفضوا الخضوع لرغبات الحاكم واستغلاله، مما نتج عنه ظهور المعارضة السياسية باسم العدالة الاجتماعية.
كان الجدل والصراع الذي حدث بين السلطة القائمة والمعارضة، سببا ودافعا للإنسان من أجل التفكير وإعادة التفكير بغرض حل مشكلة علاقة السلطة بالجماعة والحد من استبدادها بأي شكل من الأشكال. في العصر الحديث، ومع تقدم العلوم والمعارف، استندت القوة المعارضة للعلم والمعرفة من أجل إضعاف السلطة الاستبدادية في نفوس العامة وإظهار ضعفها وهوانها، وبما أن سلاح السلطة الاستبدادية كان التخويف والترهيب، فقد جعلت من الأمية والجهل سلاحا للقضاء على محاولات التحرر المستمرة والمتسلحة بسلاح العقل والمعرفة العلمية، وقد تسمى العصر الذي اشتد فيه النضال من أجل الحرية "بعصر الأنوار" نظرا لاعتبار نور العلم الوسيلة الوحيدة لهدم أسس الاستبداد.
مع الانتصار الكبير الذي حققه النضال من أجل الحرية ضد الاستبداد في العالم الغربي، تم تطبيق مبدأ "تقسيم السلط" وتنظيم علاقاتها فيما بينِها. وهكذا تحولت سلطة الدولة من الشخص المستبد إلى المؤسسة القانونية، ونجح الشعب في امتلاك السلطة التشريعية، كما تمكن القضاء من الاستقلال عن سلطة الدولة، وبهذا أصبحت مهمة الدولة هي السهر على تنفيذ قرارات وتوصيات المؤسسة التشريعية.
مع تطبيق مبدأ تقسيم السلط الذي يشكل لب النظام السياسي الديمقراطي، أصبح النشاط السياسي يرتبط أكثر بالسلطة التشريعية نظرا لارتباطها بالتشريع القانوني، وهكذا أصبحت السياسة هي النشاط المستمر الذي يقوم به أشخاص من مهامهم الأساسية البحث في الطرق والمناهج التي من شأنها تحقيق رفاهية العيش للجميع والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وذلك بالاستناد إلى مبادئ أخلاقية نضالية، ومعرفة علمية بالتاريخ والاجتماع والسياسة.
وعليه أصبح تحديد مقومات "الفعل السياسي" يستند إلى عنصرين اثنين هما: المعرفة العلمية، والمبدأ الأخلاقي.
ولذلك، فعندما نتحدث عن الانتخابات التشريعية، فإننا نقصد تلك العملية التي يتم من خلالها اختيار أشخاص يتوفرون على قدرات وكفاءات معرفية وسياسية ومبادئ أخلاقية ونضالية، للنيابة عن المواطنين في عملية استصدار التشريعات والقرارات المتعلقة بالشأن الداخلي والخارجي للوطن، وتتبع كيفية تنفيذها والدفاع عن مصالح المواطنين والوطن أمام سلطة الدولة.
إذن، وبما أن الفعل السياسي في العصر الحديث ارتبط بهذين العنصرين الأساسيين، فهل يتم استحضارهما من طرف الأحزاب السياسية عندما تزكي مرشحيها لخوض الانتخابات باسمها، وهل تقوم بتأطير المواطنين على هذا الأساس؟.
للتقريب أكثر نأخذ إقليم برشيد نموذجا لاختيار الأحزاب الكبيرة لمرشحيها. في كل مرة، وبقرب موعد إجراء الانتخابات بكل أنواعها، يشتد التنافس بين المرشحين للحصول على تزكية الأحزاب الكبيرة والأكثر حضورا في الإقليم، تقوم الأحزاب من جهتها بإحماء الوضع لتصبح التزكية في محل مزايدات بين المتنافسين، ويبدأ التنافس شهورا قبل موعد الترشح، والغرض من الإحماء المبكر ليس الحصول على أشخاص تتوفر فيهم مقومات رجل السياسة الحقيقي، وإنما الحصول على شخص ميسور ماديا بإمكانه أولا دفع مقابل التزكية بأي شكل من الأشكال، وبإمكانه ثانيا دفع ثمن ولاء السماسرة وأصوات الناخبين. هذا الاختيار المبني على أساس غير أخلاقي يؤدي إلى صعود سياسيين عديمي المبادئ النضالية، غاية أهدافهم إرضاء ضعفهم الداخلي والدفاع عن مصالحهم الخاصة على حساب المصالح العامة.
وهكذا تصبح رموز الحزب التي كان من المفروض أن تجسد نموذج رجل السياسة المناضل، تقدم الفعل السياسي أمام العموم على أنه مجرد تجارة حرة، ليصبح الحزب بمثابة أصل تجاري يمتلكه شخص معين أو بضعة أشخاص، والانتخابات موسم لعرض البضاعة وبيعها.
لقد أصبح هذا السلوك تقليدا سياسيا في مجتمعنا، وهو ما يفسر قيام الأحزاب بتزكية أشخاص شبه أميين من ناحية التعلم وأميين تماما من ناحية المعرفة التاريخية والسياسية، وغالبا ما تزكي أشخاصا لهم سوابق في الفساد المالي والإداري، ومتواطئين مع سلطة الدولة الاستبدادية ضد مصالح المواطن والوطن. والأهم عند هاته الأحزاب لا يكون بين مرشحيها أي شخص له ضمير ومبدأ أخلاقي نضالي ومعرفة علمية بفن السياسة، لأن مثل هذا الشخص يهدد قادة الحزب الانتهازيين قبل أن يهدد استبداد الدولة.
إن الأحزاب تعمل على اختيار الشخص الذي يحسن القيام بدور حارس مصالح أسياده، سواء كانوا رجال سلطة أو قادة حزبيين، وهي بهذا تستخف من إرادة وقدرة الرأي العام على التصدي لتواطئها وإحباط تلاعبها بمستقبل المواطنين والوطن.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق