Modawenon

الاستغلال السياسي للدين

رفع الصور
رفع الصور
الاستغلال السياسي للدين
 ("الفتنة" في النص القرآني نموذجا)

بقلم : الدكتور رشيد ظريف

 بفعل الطفرة التي عرفتها وساءل الاتصال في العصر الراهن، أصبح الأفراد في المجتمعات العربية المسلمة أكثر وعيا بالواقع المتخلف الذي يتخبطون فيه، إذ ساهمت سلطة الصورة كوسيلة توصيل المعلومة، تمتلك سلطة قوية على العموم، في فضح الواقع، سواء على مستوى قطاع الخدمات، أو الممارسات التعسفية التي يقوم بها من تستعملهم الدولة في حق المواطنين البسطاء. 

وبالرغم من انحطاط المنظومة التعليمية وانخفاض الوعي لذى الأفراد، ولد الاحتكاك اليومي بالفضيحة عن طريق الصورة عند البعض، وعيا وشعورا بضرورة الانتصاب لتغيير هذا الواقع، ومطالبة الفئة الحاكمة بتنازلات من شأنها أن توفر القدر اللازم من الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة العيش. 

 في خضم هذا الحراك الاجتماعي الذي أصبح يتزايد بتزايد استهتار السلطة وتجاهلها لحس الأفراد وشعورهم بالمهانة والاحتقار، التجأت هاته الأخيرة لتوظيف خطاب ديني تقليدي يقاوم التغيير ويشل الحراك الاجتماعي، معتبرة أن الاحتجاج ضد السلطة يعتبر فتنة يجب تجنبها. 

فما هي حقيقة الدعوة إلى الحذر من الفتنة في النص القرآني وما المقصود منها؟ يدل لفظ الفتنة على الابتلاء والامتحان والاختبار، كما يدل على الإخلاص يقول تعالى : (وفتناك فتونا) طه الآية 40 أي أخلصناك إخلاصا. ويقول تعالى: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) الأعراف/155 ويدل كذلك لفظ الفتنة على الظلم، يقول ابن منظور: "الفتنة في التأويل الظلم" ج 7 ص 19.

 وقوله عز وجل: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) يونس/85 أي لا تظهرهم علينا فيعجبوا ويظنوا أنهم خير منا فيزيدوا في ظلمهم. 

يدل إذن لفظ فتن على معنيين اثنين:

 المعنى الأول يدل على الاختبار، وفي هذه الدلالة يدخل معنى الإخلاص، بمعنى أن الفتنة هي الطريقة لتمحيص الحق من الباطل وهي السبيل إلى تخليص القلوب من الشوائب، فبغير الفتنة لا يمكن معرفة حقيقة الأشخاص، وهنا تكون للفتنة وظيفة إيجابية. 

وغالبا ما ينسب فعل الفتنة إلى الله سبحانه وتعالى بغرض تمحيص الحق من الباطل، واستنهاض الهمم لمقاومة الباطل والطاغوت. وهذا ما يدل عليه قوله تعالى :(وفتناك فتونا) أي أصبحت مخلصا بفضل جهادك ومقاومتك للظلم والباطل. ويدل عليه كذلك قوله تعالى: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) أما في المستوى الثاني فإن لفظ الفتنة يشير إلى العجب الذي يلحق النفس جراء امتلاكها قوة، فتحسب أن لن يقدر عليها أحد فتفرط في التسلط والظلم والصد عن الحق.

 وينسب هنا فعل الفتنة للظلمة المتسلطين الذين يعملون على كفر الحق وطمسه، كما يلبسون الحق بالباطل ليدحضوا به الحق بغرض صد الضعفاء عن معرفة الحق والمطالبة به يقول تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) المائدة/40 أي يصدونك عن تطبيق مقتضيات الكتاب التي تخالف مصالحهم.

 إذن يدل لفظ الفتنة في النص القرآني على معنيين، فهي إن نسبت إلى الله دلت على الاختبار والامتحان من أجل معرفة الإيمان الصادق من الزائف، وإن نسبت إلى الظالمين كانت ظلما وتضليلا عن طريق الحق. فأين يمكن أن تدخل فتنة مقتل بائع السمك؟

 إن واقعة مقتل بائع الأسماك بتلك الطريقة الدرامية، تعتبر فتنة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهي فتنة تفتن الأفراد ليعرف من يستطيع الجهر بالحق في وجه الاستبداد ويدعو إلى تغيير المنكر ممن يسكت خوفا أو طمعا، إن واقعة كهاته تستدعي النهوض والاحتجاج ضد السلطة لتغيير المنكر، وذلك بتغيير القوانين المجحفة في حق المهنيين البسطاء، وتغيير القانون الذي يطبق على المستضعفين ويعفى من تبعاته الأقوياء، تستدعي هاته الفتنة النهوض للاحتجاج ضد البطالة وسطوة رجل السلطة وغلاء المعيشة وعد تنظيم المهن وترك الفوضى لإلهاء العموم وجعلهم في خوف مستمر.

 وهكذا تم تحريف معنى الفتنة لتصبح دالة على الاحتجاج الذي يقوم به من هضمت حقوقهم، وقد دلت في النص القرآني على الجور الذي يقوم به الظلمة والمتسلطين في حق المستضعفين من العامة، تقول الآية 25 من سورة الأنفال: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) إن الظلمة والطغاة هم من يتسبب في الفتنة بظلمهم وجورهم وقهرهم للضعفاء كما هو في الآية القرآنية، ولم يثبت في القرآن الكريم أن نسبت الفتنة للضعفاء المغلوب على أمرهم، بل إن القرآن أوجب على العموم تجنب الفتنة بمقاومة الظلم والطغيان والنهوض لتغيير المنكر وليس بالسكوت على الظلم والتسلط والخنوع.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق