Modawenon

الخلوة والتفكر بقلم د. عبد المغيث بصير، رئيس المجلس العلمي المحلي لبرشيد

رفع الصور
رفع الصور
الخلوة والتفكر بقلم  د. عبد المغيث بصير، رئيس المجلس العلمي المحلي لبرشيد  
إن من أهم وأجل السنن ذات الفوائد الغزيرة التي يوجه إليها ديننا الإسلامي، والتي يمكن القيام بها في ظل ظروف الحجر الصحي التي يعيشها الناس في المنازل، قضاء أوقات خالصة بين الحين والآخر مع الله تعالى، يخلو فيها المرء إلى نفسه، بقصد التأمل والتفكير فيما يفيده وفيما يقربه إلى الله.
ويتيسر بشكل كبير القيام بهذه السنة والتمرن عليها في هذه الأيام، حيث إن الجميع ابتعد عن الضوضاء وعن كل ما يحول بينه وبين هدأة الفكر وصفاء النفس، من ضجيج معتاد، واحتكاك بالذاهبين والآيبين والسائلين والمتحدثين، وترك الكثير من عوارض الدنيا ومشاغلها، كالابتعاد عن الناس والأقران وشواغل التجارة والمال، وغير ذلك من المشوشات والمعكرات التي كانت تطرق أثناء النهار.
وبالاطلاع على النهج العملي الذي بلغنا من سيرة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، نجد أن الخلوة والتفكر والتدبر كانت من السلوكات التي حببت إليه صلى الله عليه وسلم قبيل بعثته، وحديث بدء الوحي خير شاهد على ذلك، ونجده أيضا كان مواظبا على الخلوة مع الله بعد البعثة في داره، وكان أهم ساعات خلواته، إذا جن الليل ودخل الهزيع الثاني منه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم من فراشه فيسبغ الوضوء، ثم يخلو مع ربه مصليا تاليا ما شاء له الله من القرآن، يقول الله عز وجل في ذلك: “ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا”. وروى أبو داود والترمذي والبيهقي وابن أبي الدنيا من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما النجاة؟، فقال له: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك”.
فإذا ألزم الإنسان نفسه ساعة من الخلوة في كل يوم وليلة مثلا، يعزل نفسه فيها عن الناس، ينبغي أن يملأ فراغ خلواته هذه بموضوع يسلط عليه فكره للمناقشة وللنظر وللتأمل، على أن يكون الموضوع الذي يشغل فكره به، مما يوقظ إلى معرفة الحقيقة الكونية، ويقربه إلى معرفة ذاته، ويوقظه إلى إدراك هويته عبدا مملوكا لله سبحانه وتعالى، ومن ثم يقربه إلى معرفة ربه وصفات الربوبية فيه، ومن ثم يدنيه من محبة الله عز وجل وتعظيمه وتعظيم حرماته.
وأهم مادة يمكن الاشتغال بها خلال هذه الأوقات هي قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى بتدبر، وهي خير ما يملأ به الإنسان خلوته، وقد تكون هذه المادة الاشتغال بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولابأس أن يجعل مادة تفكيره التأمل في ذاته، لا أن يشتغل في مثل هذه السويعات بموضوع يستهوي النفس ويخبل العقل، ويثير في النفس غرائزها.
ولكن فماهي الساعة أو الساعات التي هي مضرب المثل في بعث الصفاء في النفس والهدوء في الفكر؟، إنه الهزيع الأخير من الليل، لاسيما ساعة السحر، فالليل ذاته لا يشبه أوله آخره، كم وكم بينهما من فرق؟. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: “ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟، من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟، حتى ينفجر الفجر”، فإذا كانت الصلوات المفروضة يؤذن لها مؤذن من البشر، فإن النداء للتوجه إلى الله تعالى في مثل هذا الوقت المبارك يكون من قبل الله عز وجل.
هذا وإن الدعوة إلى اغتنام فترة الحجر الصحي للتمرن على قضاء أوقات خالصة مع الله تعالى للتفكر، تقوم أهميتها بالنسبة إلى الروح، كأهمية الحمية بالنسبة للبدن، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق