Modawenon

احذروا فيروس الإشاعة كما تحذرون فيروس كورونا.

رفع الصور
رفع الصور
إن الناظر والمتأمل في العديد من الأخبار المتداولة في أيامنا هذه في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، يجد أن ترويج الإشاعات الزائفة تزايد بشكل لافت، إلى درجة تجاوزت خطورة وحدة بعضها حدة انتشار الفيروس نفسه، الذي يحتاط الجميع أن يصاب به في هذه الآونة، ففي كل دقيقة وحين تسمع بخبر أو أخبار جديدة، وعندما تدقق النظر فيها تجد غالبيتها من قبيل الإشاعات الكاذبة.
فمنذ بدء إرهاصات وباء كورونا ببلدنا – عجل الله برفع بأسه عنا وعن الإنسانية جمعاء في القريب العاجل-، تناسلت الإشاعات وتكاثرت الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة يوما بعد يوم، وغدت فيروسا حقيقيا ينتشر كما ينتشر فيروس كورونا أو يزيد.
فقد نشط أهل الفتنة وأصحاب الطويات الخبيثة وصغار العقول في ترويج الأخبار الكاذبة في المجتمع، مما ساهم في إثارة القلق والهلع والخوف والاضطراب بين بعض المواطنين، وقد تصل قوة تأثير الخبر في نفسية البعض إلى درجة الوسوسة بعدم الأمن على النفس والأهل والذرية، أو سوء الظن في الجهات المعنية بأنها لاتقوم بواجبها، أو ما شابه ذلك.
تجد هؤلاء يروجون أمورا لا أساس لها من الصحة لإشباع نزوات ولذات، والقصد إلى أهداف مادية أو نفسية أو اجتماعية، كالبحث عن الزيادة في عدد المشاهدات أو الزيادة في عدد الإعجابات والمتابعين، للارتزاق بالأخبار الكاذبة التي تنتشر في الناس كما تنتشر النار في الهشيم.
في حين أن البلد بسلطاته من أعلى القمة إلى أسفلها، وبجميع قومه يواجه كارثة الوباء بحزم وجدية، للتقليل من نسبة المصابين، والتخفيف من وطأة المصاب الجلل على المواطنين، فعوض أن يضعوا أيديهم في أيدي قومهم تثبيتا وتوطينا وتطمينا للقلوب وتعاونا على الخير، شغلوا أهل الشأن في صرف أوقات ثمينة وأموال جسيمة في تكذيب افتراءاتهم الزائفة.
فهؤلاء بأفعالهم هذه، يبينون بأنهم خارج التغطية كما يقال، أو أنهم يغردون خارج السرب، أو أن ما تعيشه الأمة لا يعنيهم في شيء، وهم بالتالي غير أسوياء، ويحتاجون لعمل كبير في جانب ترقية الوعي والتزكية، لكي يصلوا مرحلة النضج الطبيعية، كما يبينون بأن وعيهم بأهمية أمن المجتمع لازال ضعيفا.
 وكان ينبغي والجميع يواجه كارثة الوباء، أن نعبر عن رقينا ووعينا الكبير، وبأن كل فرد منا ملتزم بمسؤولياته المشتركة في هذا الوطن. فالمسؤوليات في كل ماله صلة بالملمات التي تنزل بأهل الوطن الواحد، يعتبر دائما وأبدا مسؤوليات مشتركة يتحملها جميع المواطنين، ويكون هذا الأمر مطلوبا أكثر إذا كانت الأمة تواجه ظروفا استثنائية كالتي نحن فيها. فكيف أطر ديننا هذا الموضوع؟ وماهو واجب كل واحد منا إزاء هذه الظاهرة السلبية؟
أولا، لابد من الإشارة إلى أن ظاهرة ترويج الإشاعات الكاذبة ظاهرة سلبية مرضية قديمة، لم تسلم منها كبريات المجتمعات، وهي كذب محض، حيث إن المرء يخبر عن شيء بخلاف الحقيقة، قال الله تعالى:” ولاتقف ما ليسلك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”سورة الإسراء الآية 36، وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال صلى الله عليه وسلم:” لايحل لمسلم أن يروع مسلما”، وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الطبراني:” لاتروعوا المسلم، فإن روعة المسلم ظلم عظيم”.
نعم فقد يقع المؤمن في عدة معاص لضعف في نفسه أو غلبة شهوته، لكن الكذب وترويج الإشاعة ليس شهوة بل هو خبث، المسلم الصادق لا يكذب ولا يروج الإشاعات، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:” يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب”، وعن أمنا عائشة رضي الله عنها فيما رواه الإمام أحمد قالت: “ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة”.
ومن توجيهات ديننا الصريحة في هذا الموضوع، أن الله تعالى أمر بالتبين والتثبت من الأخبار، حتى لا يشيع الشك بين الجماعة المسلمة في كل ما ينقله أفرادها من أنباء، فالأصل في الجماعة المسلمة أن يكون أفرادها موضع ثقتها، وأن تكون أنباؤهم مصدقة مأخوذا بها، وبهذا يستقيم أمرها، بحيث لا تعجل في تصرفاتها ولا تكون مندفعة وحماسية فيما تتخذه من إجراءات.
وفي هذا الجانب يوجه الدين إلى ضرورة أخذ المعلومات من مصادرها الأصلية، يقول الله تعالى:” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” سورة النحل الآية 43، وقال عز وجل:” ولاينبئك مثل خبير”، سورة فاطر الآية14، وقال أيضا: “ياأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا” سورة الحجرات الآية 6، ففي هذه الآية الأخيرة يأمر الله تعالى بالتثبت من خبر الفاسق ومعرفة صدقه من كذبه ليحتاط له. وقال في آية أخرى: “ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا” سورة النساء الآية 93، أي فتأنوا واطلبوا البيان وكونوا على بينة من الأمر الذي تقدمون عليه، ولا تأخذوا بالظن ولا بالتهمة وتثبتوا ولا تعجلوا.
ختاما، إنه ينبغي الاشتغال بجد على تربية الأجيال الصاعدة على الصدق، والصدق لن يتعلموه إلا من المحيطين بهم، إذا كانوا يراعون الصدق في أقوالهم وأعمالهم ووعودهم، يقول الله تعالى: “ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” سورة التوبة الآية 120، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الإمام البخاري في المفرد قَالَ ‏:‏ “لاَ يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي جِدٍّ وَلاَ هَزْلٍ ، وَلاَ أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ شَيْئًا ثُمَّ لاَ يُنْجِزُ لَهُ‏ “.
ثم إنه ما أحوجنا سواء في هذه الفترة أم في غيرها إلى رفع شعار قول الله عز وجل: “قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين” سورة النمل الآية 27، وهي الآية التي وردت في قصة نبي الله سيدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد، حين أخبره عن أهل سبأ وملكهم، قال الله تعالى مخبرا عن ذلك: “قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين”، أي أصدقت في إخبارك هذا أم كنت من الكاذبين في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك.
وما أحوجنا أيضا في هذه الأيام إلى رفع شعار قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قلت يانبي الله ما النجاة؟ قال: “أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، ولتبك على خطيئتك”، وهو في الحقيقة شعار جامع مانع، ما أحوج كل واحد منا إلى تأمل معانيه العديدة، والوقوف عند دروسه البليغة، وتطبيقه مع أهله وعشيرته الصغيرة والكبيرة. خاصة وأن كل واحد منا قابع في بيته ملتزم بحالة الطوارئ الصحية، فلتسعنا بيوتاتنا، ولنبك على خطيئاتنا، ولندع ربنا بصدق أن يرفع الوباء والغمة عنا وعن الإنسانية جمعاء، قال تعالى: “وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله” سورة يونس، الآية 107، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبد المغيث بصير
رئيس المجلس العلمي المحلي لبرشيد

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق