Modawenon

من وحي الحدث

رفع الصور
رفع الصور
من وحي الحدث
برشيد الغد تيفي : بقلم ذ/ النقيب رضوان مفتاح

الحلقة الأولى: يدا في يد

قبل شهر من الآن كنا نملأ الشوارع صخبا وضجيجا ونلهث وراء ما لذ وطاب من متاع الدنيا؛ وربما وراء ما لم يطب أيضا وكان طعمه علقما لأننا لم نتحرَّ فيه الحلال من الحرام واستطبناه بجهل منا؛ وها نحن الآن نلازم غرفا من بضعة أمتار في أحسن الأحوال؛ ومنا من تضيق به الأمكنة واقعا لا مجازا لكثرة أفراد الأسرة الواحدة بارك الله؛ كنا نشكو ضيق الوقت الذي لا يتسع لقضاء كل حوائجنا؛ فأضحينا نشكو ضيق الفضاء الذي لا يسع الأسر المتعددة الأفراد والقليلةِ غُرف شققها؛ لم يكن لدى البعض منا فرصة الإحساس بالملل لكثرة انشغالاته عن نفسه وعمن يحب؛ فأضحى الملل شكوى أغلبنا؛ صراحة كنا نستبطئ الموت التي قال فيها خير الخلق (ص) كفى بالموت واعضا، فأضحت رائحة الموت تحيط بنا من كل جانب ولا ندري متى تصيب حبيبا أو قريبا أو نكون نحن هدفا لها؛ وما أصعب أن تنتظر المجهول خاصة إذا كان هذا المجهول موتا وكأنك في زنزانة ساكنتها محكوم عليهم بالإعدام.
كيف كنا، وكيف أصبحنا؛ ومع ذلك نتشبت بأمل ليس مجهولا بل هو معلوم وبأيدينا تحويله من أمل إلى حقيقة؛ متى أحْسَنَّا التصرف والتزمنا بما هو موصى به من أجل الخروج بأقل الخسائر؛ وأخذنا العبرة سلبا وإيجابا ممن إكتووا بنار الجائحة مثلنا.
كيف لنا أن نصب جام غضبنا على تصرف غير مقبول أتاه من هو موكول له أمر تنفيذ قرار الحجز الصحي؛ دون أن نستحضر ما يُمارس عليه من ضغوط لعل أقلها أنه خرج ليواجه خطر الإصابة دون وسائل حماية من أجل سلامتنا نحن؛ وأصدرنا أحكاما دون اعتماد ظروف التخفيف التي أتاها الشرع والقانون؛ لا يمكن لأي كان أن يبرر تصرفات وصفناها بداية بغير المقبولة، ولكن كيف لك أن تتصرف وأنت الساهر على الأمن وعلى تطبيق القانون الذي اقتظته ظروفا استعجالية؛ مع من يصوب مدفعه الرشاش ليقتل مع كل طلقة عددا من الأبرياء؛ فهل تتركه يفعل وبدم بارد أم تتدخل لردعه؛ فذاك الذي يصِّر على مخالطة الناس وبالكثرة العددية عن جهل أو عن قصد فإنما هدفه إلحاق الضرر بأكبر عدد ممكن؛ فهل نتركه يُخرج سلاحه وهو في هذه الحالة غير مرئي لينشره بين الناس؛ قد يكون سلاحه لُعابا أو عَطَسًا أو مصافحة أو عناقا أو غير ذاك من وسائل انتشار العدوى والفيروس؛ وينظاف إلى كل هذا أن ذاك الساهر على تنفيذ ما أمرت به السلطة إنما يتمنى لو سُمح له بالتواجد بالمنزل كما يُطلب من ذاك العاصي؛ فيجالس أبنائه وأبويه وإخوته ولو في علب سردين هي بيته؛ كما يُطلب من ذاك الذي لم يمتثل وعصى.
صحيح أنه لا تبرير للإهانة أو للتعنيف أيا كانت وسائله؛ ولكن وبالمقابل؛ لا حق لأي كان وتحت أية ذريعة الآن أن يعرض أمة بكاملها للخطر وأن يرمي بالشعب للمجهول، كما أن الظرف ليس لتصفية الحسابات أو للمحاسبة أو المسائلة عن أخطاء الماضي؛ وحَسْبُنَا جميعا أن بؤر التوثر في العالم توقف فيها القتال لمواجهة بؤر كورونا؛ فلا حق يساوي الحق في الحياة الذي قد يَعبث به هذا التجمع أو ذاك؛ وعليه وجب أن تتوقف كل أشكال التعبير عن عدم الرضى عن واقع لا نزكيه أصلا، كما يجب على من هو موكول له أمر تنفيذ القانون أن يُضاعف من تحمله؛ وأن يَستحظر أنه الحكيم الذي يُفترض فيه امتصاص الغضب، وتفهم أن الظاهرة لا عهد للشعب بها وهو شعب لم تُوفَّر له أساليب التعلم منذ البداية، ولكن اليوم يجب على المواطن أن يتعلم ويَعْلَمَ أننا جميعا نركب نفس السفينة شعبا ومؤسسات دولة؛ وأن كل ما نصبو له جميعا هو التزام وبلغة الجيش طاعة دون نقاش لبضعة أيام؛ ثم نناقش لاحقا Exécuter puis réclamer. (يتبع...)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق