Modawenon

السياسة بين الدين والأمية: أو الديمقراطية المخرومة

رفع الصور
رفع الصور
السياسة بين الدين والأمية: أو الديمقراطية المخرومة
بقلم : رشيد ظريف
عندما نتحدث عن نظام سياسي ديمقراطي فإننا نقصد نظاما سياسيا يكون فيه القرار الأول والأخير بيد الشعب حقيقة وليس زيفا، ولا يمكن ذلك إذا لم يتم اختيار من يمثلون الشعب على أساس وجود "رأي عام" واع باختياراته السياسية وقادر على تعقل الأمور. لهذا يبقى المشكل الذي يعترض تحقيق نظام سياسي ديمقراطي بشكل أقرب إلى المبتغى، حتى في الأنظمة السياسية الغربية، هو عدم وجود رأي عام واع ومستقل ولا يخضع للتضليل والتوجيه من طرف القوى المسيطرة والمهيمنة. غير أن "فعل التعقل" الذي كرسته الحداثة الفكرية والعلمية قاوم بشكل كبير هذا الخطر عبر استثمار الفكر النقدي والإعلاء من قيمته. وهذا ما أكسب المواطن في المجتمعات الغربية قدرة، وإن كانت نسبية، على تمحيص المعلومات والأفكار لمعرفة مدى صدق ادعاءها المصلحة العامة ومدى انحرافها عن هذا السياق.
على العموم، يبقى مطمح تحقيق نظام سياسي ديمقراطي هدفا منشودا عند الكل، ولهذا لم تفتأ الدراسات والنقاشات تتكاثر في الموضوع من طرف المختصين والأكاديميين في المجتمعات الغربية بغية تجاوز العيوب والنواقص، ويبقى سلاح العلم وتعقيل الرأي العام هو الوسيلة الأنجع لتحقيق هذا الغرض.
لنعد إلى حال مجتمعنا ونتساءل: هل يمكن الحديث عن إمكان تحقيق نظام سياسي ديمقراطي في المغرب في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الحالية؟ وهل يمكن الحديث عن وجود رأي عام عاقل ومستقل ولو نسبيا؟ بمعنى أوضح، هل يستطيع الفرد أن يكون رأيا خاصا في منأى عن التأثيرات الخارجية التي تعمل على توجيهه نحو وجهة تخدم مصالحها الخاصة؟.
إذا ما تفحصنا الأمر فإننا نجد أن هذا المطمح بعيد المنال نظرا لتدخل عاملين اثنين يسهمان بشكل كبير في إحباط كل محاولات تثبيت نظام سياسي ديمقراطي. هذان العاملان هما: التدين التقليدي والأمية المعرفية. فكيف يقوم هذان العاملان بإعاقة تحقيق نظام سياسي ديمقراطي؟.
عندما نتحدث عن "رأي عام واع ومستقل" فإن الأمر يستوجب توفر الأفراد على قدر معين من الوعي المعرفي يمكنهم من تتبع سير الفعل السياسي والإطلاع على الأفكار التي تؤسس برامج الأحزاب السياسية التي تشغل الفضاء العام بخطاباتها ومشاركاتها السياسية. ولن يتحقق هذا المبتغى إذا لم يتوفر أغلب الأفراد على مستوى تعليمي يمكنهم من فهم مضامين الخطابات الإيديولوجية والوعي بأبعادها وسياقاتها الاجتماعية والتاريخية والإنسانية، ومن ثمة تقريبها للباقين وشرح محاسنها ومساوئها.
إذا ما رجعنا إلى واقعنا المعيش فإننا نجد غياب شبه تام لهذه الفئة المؤثرة التي يكون لها اهتمام بالشأن السياسي وتمتلك قدرة على فهم واستيعاب الأبعاد العلمية والتاريخية والاجتماعية وحتى الأخلاقية لما يروج له السياسيون وخطباؤهم، والسبب بالطبع يعود إلى تفشي الأمية بشكل كبير بين صفوف المواطنين المهتمين بالفعل السياسي، فالأحزاب المغربية تعمل على استقطاب الأميين وتجييشهم ليقوموا بدور السمسار الذي يروج لشخص معين أو حزب معين مقابل أجر، أو ليتم ترشيحهم ليعملوا بكل ما استطاعوا للحصول على أصوات الناخبين والفوز بمقاعد، وبهذا يتحول الحزب السياسي من دور التنظير للفعل السياسي وتأطير المواطنين إلى دور البحث عن أميين جاهليين والتغرير بهم وترشيحهم للحصول على الأصوات وكسب شرعية التواجد على الساحة السياسية.
في ظل هذا الوضع المحبط، لا تجد تلك الفئة القليلة المتعلمة غير الهروب إلى الأحزاب الدينية التي لا تقل ضررا عن الأحزاب الانتهازية، حيث يجد هذا المتعلم نفسه مؤطرا بخطاب سياسي لا عقلاني مشبع بفكر ديني تقليدي تجاوزه التاريخ، يستغل هذا الخطاب السياسي/الديني الكراهية التي يكنها المواطن المتعلم للأحزاب الانتهازية، كما يستغل قداسة الدين في نفوس المواطنين وتكريس المؤسسة الرسمية لخطاب ديني تقليدي للتأثير على مشاعر المواطنين وكسب تعاطفهم. يتسم الخطاب السياسي للأحزاب الدينية بعدم إيمانها بالفكر العلمي، وعدم اعتقادها في التاريخانية وهذا يجعلها غير قادرة على الوعي بالأبعاد السياسية والتاريخية للقرارات التي تتخذها مما يجعلها تتحول إلى آليات سيطرة للدولة الاستبدادية، حيث يتم توجيهها نحو اتخاذ قرارات تظهر فاعليتها السياسية في الحين، ولكنها تعود ضد حرية وحق المواطن على المدى البعيد.
ويمكن الجزم بأن السبب الحقيقي لفشل محاولات الأحزاب الدينية الإصلاحية يعود بالأساس إلى عدم التوافق القائم بين ما تحمله مفاهيم أساسية كمفهوم العدالة الاجتماعية، ومفهوم الحرية، ومفهوم الديمقراطية، في السياق الفكري الحداثي، وبين ما يفهمه رجل السياسة ذي المرجعية الدينية التقليدية من نفس الألفاظ. الشيء الذي يجعل من الصعوبة بمكان أن ينجح أي حزب ديني يتخذ من نظام الخطاب الديني التقليدي مرجعية له في تثبيت مؤسسات دولة الحق والقانون، نظرا لعدم إيمانه بالإطار الفكري الذي يؤسس نظريا لهذه الدولة وكفره بمرجعيتها الفكرية والعلمية.
في ظل هذه الظروف، وباستمرار سيطرة الأمية على الناخبين، والاعتماد على أصواتهم لإعطاء الشرعية للعمل السياسي بالمغرب، وباستمرار الأحزاب الدينية في استغلال العاطفة الدينية للناخبين، هل يمكن الحديث عن وجود رأي عام واع ومستقل؟ وبالتالي هل يمكن الحديث عن إمكان تحقيق نظام سياسي ديمقراطي؟.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق