Modawenon

الداخلية : لحنينة مي ...

رفع الصور
رفع الصور


الداخلية : لحنينة مي ...
برشيد الغد-فخر الدين بوزيد

 لم يكذب الشاطر الذي لقب وزارة الداخلية ب " أم الوزارات " فالأم في مجتمعنا المغربي هي كل شيء في بيتها و هي في صراع دائم داخل حدوده و أحيانا خارجه و ذلك من أجل بسط نفوذها على الجميع و لفرض سطوتها و جبروتها و نظامها على كل من هم تحت رعايتها .

 و يبدأ هذا الجبروت عندما تبدأ الزوجة بمجرد أن تصبح أما في منازعة زوجها سلطاته لتنتقل في سعيها ذاك إلى السرعة القصوى عندما تحس بغريزتها الثاقبة بتمكنها من زمام الأمور .

 و يظهر تسلط الأم في أخطر تجلياته ، حسب الشائع في مجتمعنا ، عندما يتزوج الأبناء أو عندما يتمكن الزوج بعد كثير من المكر و المراوغة و التنازل و العناء من التزوج بأخرى ، فمعلوم عندنا أن الأم لا تقبل المنافسة على تسيير شؤون بيتها و شؤون كل من يتواجدون تحت سقفه ، و هي ترفض أن تنازعها أخرى على رعايا مملكتها فرغم شرعية زوجة الإبن و رغم شرعية الضرة ، و رغم قبول الأم بهما على مضض ، إلا أنها سرعان ما تنزع عنها جبة الحنان و تلبس بزة الحرب و يا و يل من اعترض طريق غزوتها آنذاك .

 و لا تضع حرب الأم أوزارها حتى تنتصر و حتى تصبح كلمتها هي العليا فلقد حبا الله الأنثى بملكة الصبر و بموهبة النفس الطويل ، فهي لا تستسلم و لا تستكين و لا تتعب و لا تعترف بالآخر إلا إذا أعطى الأمان و رفع الراية البيضاء و دخل عن طواعية أو كرها تحت جناحها .

 هذا هو حال الأم و هذا لعمري هو نفسه حال داخليتنا فأوجه التشابه كثيرة و نقط التطابق عديدة و ليس أقلها مثلا أن للأم ( مثل الداخلية ) صناديقها السوداء و ميزانيتها السرية و أسلحتها الخاصة و مطبخها حيث تخزن مقاديرها و توابلها لتجدها في المتناول عند الحاجة إليها ، و لها كذلك وصفاتها لتطويع الزوج و الأبناء معا بالتقريب و الترغيب غالبا و بالترهيب عند الإقتضاء و تكون عادة على علم بكل أسرار البيت و من فيه ، كما أنها تسهر باستماتة على تغذية رعيتها تغدية كافية مع الإغداق بأفضل القطع على بعض المحظوظين ... كما يكون للأم غالبا داخل بيتها إبنا أو أبناء مفضلين و مقربين و لهم عندها مكانة و حضوة و هي بسبب ذلك تقربهم منها و تغمض عينيها على تجاوزاتهم و تبرر خرقهم لنظام البيت و تتستر على أخطاءهم و فضائحهم و تدافع عنهم أمام الأب و تكافئهم على وفائهم و تغدق عليهم أكثر من غيرهم من حنانها و عطفها و رعايتها و حتى من طبيخها ، و للأم كذلك أبناء مخبرين يتقربون منها عن طريق التبليغ عن إخوانهم بل و عن الأب أيضا و هي تجازيهم خير الجزاء على ذلك . 

لن أطيل عليكم و أترك لكم فرصة اكتشاف ما تبقى من المواصفات المشتركة بين هاتين الأمين . 

انطلاقا مما سبق فلا توصيف كامل شامل يليق بالأم أكثر من مصطلح " التحكم " ، فهمها و هوسها و رغبتها و هدفها هو التحكم في كل صغيرة و كبيرة في بيتها و التحكم في حركات و سكنات كل من يعيش تحت سقفه و هي بذلك ترفض أي شكل من أشكال المقاومة فبالأحرى منازعتها أو منافستها على سلطتها أو المساس بها و بمن هم تحت جناحها ، حينها تنقلب الأم التي تقضي حياتها جاهدة في خدمتنا و في إظهار ما يكفي من العطف و الحنان إلى وحش كاسر يعصف بكل من يعترض سبيله . 

فلا عجب إذن أن المغاربة أصبحوا في السنين الأخيرة ينعثون الأم / الزوجة في نكثهم و قفشاتهم ب " الداخلية " فالأم تتصرف كالداخلية فعلا و الداخلية تتصرف كالأم أيضا .

 إن الدور الحقيقي الذي تضطلع به وزارة الداخلية في بلدنا و الذي يتعدى دورها التقني و المؤسساتي ، هو بكل بساطة التحكم ( و ليس فقط مراقبة ) في كل ما يجري داخل حدود المملكة و سيما ما يهم تدبير الشأن العام و ما قد يهدد النظام ( ليس النظام العام بل النظام " تو كور " ) او يقرض من سلطاته و صلاحياته ، ولا أدل على ذلك من وقوفها تاريخيا وراء تصنيع عشرات الزعماء و القياديين و الأحزاب و تأسيس مئات الجمعيات و اختراق كل الهيئات و الحركات و اللعب بخيوط الإعلام و الصحافة و إصدار الأوامر للقضاة و تعيين المدراء و الموظفين السامين ... إلخ ، فهي لا تحب المفاجئات و لا تريد أن تترك فرصة للصدف المزعجة و لا للإحتمالات السيئة .

 إن الداخلية التي كانت الذراع القمعي للنظام لعقود من الزمن ، تحولت في عصر حقوق الإنسان المزعومة إلى أكبر حزب سياسي في المغرب و إلى أخطبوط تمتد أذرعه في كل الإتجاهات ، بل أكثر من ذلك فلقد أصبحت دولة داخل الدولة و هي لا تخضع لأكذوبة الشرعية الشعبية بحيث أن وزراءها ال 18 الذين تعاقبوا على تسيير دواليبها من الإستقلال إلى اليوم لم يتم انتخاب و لو واحد منهم بل تم تعيينهم جميعهم بظهير أي تم إنزالهم بالمظلات ك" الكوماندوز " فوق أسقف الحكومات . من هنا فإن إلصاق مصطلح " وزارة " بهذا الكيان الموازي يعتبر تمويها و ضحكا على الشعب فكيف يكون المخزني الواقف على رأس الداخلية وزيرا و هو لا يخضع لسلطة الوزير الأول أو رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة ( تعددت الأسامي و الهم واحد ) ؟؟؟ كيف يكون وزيرا و هو يتلقى تعليماته من خارج الحكومة التي ينتمي إليها دون أن يكون منتميا لأي حزب ؟؟؟ كيف يكون وزيرا و لا تمكن لا إقالته و لا محاسبته لا من طرف الحكومة و لا من طرف الشعب ؟؟؟ إن أم الوزارات التي تعتبر نفسها وصية على الشعب المغربي أصبحت تتصرف في المدة الأخيرة كأم متسلطة و سريعة الغضب ، أم تخرج أنيابها و مخالبها في وجه كل من يمس أبناءها البررة ، أم تعرف كيف تؤدب " المساخيط " من أبناءها و أم تبرع في تحجيم أطفالها و تنبيههم إلى ملازمة الأماكن التي تخصصها لهم و إلى عدم تجاوزها أو التطلع إلى أوسع و أجمل و أريح منها . 



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق